31.5.12

هل النفع لمن عنده مال أن يصرفه في تعليم أولاده أو يبقيه ميراثا لهم بعد مماته

المال مادة الحياة وقوام ضروريات الإنسان وحاجياته وكمالياته من المطاعم والملابس والزينة فلولاه ما بقى للحياة عين ولا أثر وكما أن عليه مبنى وجود الجسم كذلك به يحصل حياة الروح وكمالات النفس ولذة العقل وهو الواسطة لتحصيل لوازم تعليم الفنون والعلوم النافعة ومتى نعارض على المال خطة صرفه في سبيل التعليم في الحال أو إبقائه في المآل وجب صرفه في الوجهة الأولى اذ العلم غذاء العقل وهو اشرف من الجسم ولتعم العوض على أن ما فات من ادخار المال يناله أضعافا متضاعفة بواسطة العلم وناهيك بمنافع دائمة لا مقطوعة ولا ممنوعة ولذة عالية وآثار باقية ورفعة قدر ونباهة شأن وشرف منزلة .
وهل يقاس ما يتناهى وهو المال بما لا يتناهى وهو العلم وما شرف الماديات في جانب المعقولات وهل يذكر الدينار في جانب الأفكار أو يقاس الصامت بالناطق والميت بالحي بل مثل ما ينفق في سبيل التعليم كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم .
على أن العلم يجرى من المال مجرى الروح في البدن والحاكم من المحكوم والحرس من المحروس بل والفارس من المفروس وهل خلد التاريخ في صفحاته الا أهل العلم وأرباب الجد في الأدب وأنصار البحث في الحقائق فمنهم السياسيون والملوك والعادلون وبهم استقامت البلاد وانتظمت الدول واستتب العدل ومنهم العلماء والحكماء والمخترعون والمكتشفون هدى للناس ونورا وهل رايت لأحد منهم فيه ذكرا أو سمعت له قط فيه شكرا .
ففز بعلم تعش حيا به أبدا      الناس موتى وأهل العلم أحياء 
وبالجملة نحن بالطبيعة نشعر بالسرور التام حينما يرى الواحد منا أن له ولدا يؤمل فيه النجاح ويرى عليه دليل الفلاحفينفق ما استطاع أن ينفق وذلك لأن النفوس من طبعها تميل الى العلا ولو كان كما يقول بعض الناس إن ميول الإنسان الى الشر أكثر منها إلى الخير ما كنا نشعر بهذا الشعور وما كان لدينا هذا الإحساس ولكانت الأزمنة الهمجية باقية إلى الآن.
علم الله أن المال الكثير الوافر ليس بشيئ بجانب الأولاد وتهذيبهم بدليل أنه يهون على الرجل أن يكون صفر اليدين بجانب نيل هذا المبتغى كما نجد أن صاحب المال الذي لا أولاد له منكود الحظ منغص العيش .
وأكثر من هذا حزنا على الشخص الذي له أولاد لا بركة فيهم ولا نجاح لهم فيحسب لانحطاطه ألف حساب ويتمنى لو مات هؤلاء الأولاد حتى يستريح فؤاده ويحفظ شرفه والحقيقة أن لا عار أعظم من فساد الأولاد .
اذا الرجل الذي يريد أن يعيش سعيدا في أولاه وأخراه يجب أن يبذل كل نفيس وغال في تهذيب أولاده حتى يموت آمنا على بيته من الخراب وعلى عرضه من أن يثلم وسيرته من أن تقبح هذا من جهة ومن جهة أخرى يضمن بقاء العز لأولاده وجميل الذكر لنفسه إذ الناس يثنون عليه ويطلبون له الرحمات كلما نالهم خير من أولاده كما أن المال الذي أنفقه عليهم يأتي [اضعاف أضعافه ولما طالت حياتهم زادت ثروتهم ولو كان كل رجل يعتني بتربية أولاده لكانت الأمة راقية حية إذ كل واحد يعرف حقوقه ويمكنه أن يدافع عن نفسه وعن أمته فإن الأمة ما هي الا الفراد فإن كانوا أحياء كانت حية وإن كانوا أمواتا كانت كذلك .