اي الأمرين أكثر نفعا للمتعلم تعليمه بالرغبة أم تعليمه بالرهبة

لا خلاف في أن الطباع ليست سواء في أفراد النوع الإنساني فهذا حاد الذكاء سهل الانقياد شغوف بالتحصيل لا يطلب سوى هديه إلى طريق التحصيل والتهذيب إلا أنه لا ينبغي إرسال لجامه كيلا ينتج قبل أوانه فتضعف قواه فيما بعد .
وذاك يكون حاد الذكاء لكنه بطيئ وهذا لا يلزمه سوى استعمال المهماز وحثه على صرف الجهد وآخر يكون حاد الذكاء مشغوفا بالتحصيل ولكنه عنيد صعب المراس فيؤخذ بتلطيف طباعه وتهذيب أخلاقه .
وآخر يكون سهل الانقياد شغوفا بالتحصيل لكنه كاسد الفكر بطئ الفهم وهذا يحتاج الى رقة المعاملة والتنهيض تارة والمساعدة أخرى كيلا يضعف جأشه أو ينبعث يأسه فيقعد الدهر ملوما محسورا وربما وصل الى الغاية المطلوبة .
وآخر يكون كاسد الفكر بطئ الفهم كسولا عن العمل وهذا يمكن تقويمه مع الصبر وتوالى الزمن وآخر يكون مع كسادة فكره وبلادة فهمه خبيث الطبع شرير النفس ومثله لا ينبغي اليأس منه بادئ بدء بل يحسن أخذه بالإصلاح والتقويم والتهذيب إلى أن تضيع فيه الحيل .
ومرتبة الاضطرار والرهبة ومرتبة الاختيار والرغبة تختلف باختلاف استعداد القوى العقلية فالنفس مجبولة على شيم مهملة وأخلاق مرسلة لا يستغنى محمودها عن التأديب ولا يكتفى بالمرضى منها عن التهذيب لأن لمحمودها أضدادا مقابلة يسعدها هوى مطاع وشهوة غالبة فان من أغفل تربتها تفويضا الى العقل أو توكلا على أن تنقاد الى الأحسن بالطبع أعدمه التفويض درك المجتهدين وأعقبه التوكل ندم الخائبين فصار من الأدب عاطلا وفي صورة الجهل داخلا لأن الأدب مكتسب بالتجربة أو مستحسن بالعادة ولكل قوم مواضعة وذلك لا ينال بتوقيف العقل ولا بالانقياد الى الطبع حتى يكتسب بالتجربة والمعاناة وبالدربة والمعاطاة .
وبالجملة يحسن بالمعلم أن يتعرف كل ناشئ ليعلم أطباعه واخلاقه واستعداداته الجسمية والعقلية كي يعامله بحسبها فلا يعامل الكل باللطف كما لا يسوق الجميع بعصى الخشونة فإن منهم من تصلحه القساوة بينما الآخر يصلحه المعروف ومن ينفعه الإحسان بينما يسوء الآخر ومن يؤثر فيه النظر بينما الآخر يحتاج الى العصا كما قيل البعض يضرب بالعصا  والبعض تكفيه الإشارة ومنهم من يسوقه المهماز بينما الآخر يلزمه اللجام .
لكن التعليم بالرغبة المبنية على أساس متين من العظمة العالية والحكمة البالغة أولى وأفيد من التعليم بالرهبة التي لا تجلب الا الالخيل والقنوط والملل بل تورث الخوف والجبن وتعود الناشئ على العمل في الجهر والكسل في السر فاذا سياسة الرفق واللطف قد تفعل ما لا تفعله سياسة الشدة والعنف ومن لم يكن له من نفسه زاجر فهيهات أن تؤثر فيه الزواجر .
اعلان
اعلان
اعلان